الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
السؤال الثاني: ما معنى قوله: {إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر}؟ الجواب: الجانب الغربي هو المكان الواقع في شق الغرب، وهو المكان الذي وقع فيه ميقات موسى عليه السلام من الطور، وكتب الله لهص في الألواح والأمر المقضي إلى موسى عليه السلام الوحي الذي أوحى إليه، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم يقول: وما كنت حاضرًا المكان الذي أوحينا فيه إلى موسى عليه السلام، ولا كنت من جملة الشاهدين للوحي إليه أو على الموحى إليه، وهي لأن الشاهد لابد وأن يكون حاضرًا، وهم نقباؤه الذين اختارهم للميقات.السؤال الثالث: لما قال: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الغربى} ثبت أنه لم يكن شاهدًا، لأن الشاهد لابد أن يكون حاضرًا، فما الفائدة في إعادة قوله: {وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين}؟ الجواب: قال ابن عباس رضي الله عنهما: التقدير لم تحضر ذلك الموضع، ولو حضرت فما شاهدت تلك الوقائع، فإنه يجوز أن يكون هناك، ولا يشهد ولا يرى.السؤال الرابع: كيف يتصل قوله: {وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا} بهذا الكلام ومن أي وجه يكون استدراكًا له؟ الجواب: معنى الآية: ولكنا أنشأنا بعد عهد موسى عليه السلام إلى عهدك قرونًا كثيرة فتطاول عليهم العمر وهو القرن الذي أنت فيه، فاندرست العلوم فوجب إرسالك إليهم، فأرسلناك وعرفناك أحوال الأنبياء وأحوال موسى، فالحاصل كأنه قال وما كنت شاهدًا لموسى وما جرى عليه، ولكنا أوحيناه إليك فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ودل به على المسبب، فإذن هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده.واعلم أن هذا تنبيه على المعجز كأنه قال إن في إخبارك عن هذه الأشياء من غير حضور ولا مشاهدة ولا تعلم من أهله، دلالة ظاهرة على نبوتك كما قال: {أَوَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا في الصحف الأولى} [طه: 133].أما قوله: {وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا في أَهْلِ مَدْيَنَ} فالمعنى ما كنت مقيمًا فيه.وأما قوله: {تَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياتنا} ففيه وجهان: الأول: قال مقاتل: يقول لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم {وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} أي أرسلناك إلى أهل مكة وأنزلنا عليك هذه الأخبار، ولولا ذلك لما علمتها الثاني: قال الضحاك: يقول إنك يا محمد لم تكن الرسول إلى أهل مدين تتلو عليهم الكتاب وإنما كان غيرك ولكنا كنا مرسلين في كل زمان رسولًا، فأرسلنا إلى أهل مدين شعيبًا وأرسلناك إلى العرب لتكون خاتم الأنبياء.أما قوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} يريد مناداة موسى ليلة المناجاة وتكليمه {ولكن رَّحْمَةً مّن رَّبِكَ} أي علمناك رحمة، وقرأ عيسى بن عمر بالرفع أي هي رحمة، وذكر المفسرون في قوله: {إِذْ نَادَيْنَا} وجوهًا أخر أحدها: إذ نادينا أي قلنا لموسى {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شيء} [الأعراف: 156] إلى قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون} [الأعراف: 157].وثانيها: قال ابن عباس إذ نادينا أمتك في أصلاب آبائهم: يا أمة محمد أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني قال وإنما قال الله تعالى ذلك حين اختار موسى عليه السلام سبعين رجلًا لميقات ربه وثالثها: قال وهب: لما ذكر الله لموسى فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال رب أرنيهم قال إنك لن تدركهم وإن شئت أسمعتك أصواتهم قال بلى يا رب فقال سبحانه يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب آبائهم فأسمعه الله تعالى أصواتهم ثم قال: أجبتكم قبل أن تدعوني، الحديث كما ذكره ابن عباس ورابعها: روى سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} قال كتب الله كتابًا قبل أن يخلق الخلق بألفي عام ثم وضعه على العرش ثم نادى «يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي أعطيتكم قبل أن تسألوني وغفرت لكم قبل أن تستغفروني من لقيني منكم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله أدخلته الجنة».أما قوله: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ} فالإنذار هو التخويف بالعقاب على المعصية.واعلم أنه تعالى لما بين قصة موسى عليه السلام قال لرسوله: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربى} {وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا في أَهْلِ مَدْيَنَ} {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور} فجمع تعالى بين كل ذلك لأن هذه الأحوال الثلاثة هي الأحوال العظيمة التي اتفقت لموسى عليه السلام إذ المراد بقوله: {إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر} إنزال التوراة حتى تكامل دينه واستقر شرعه والمراد بقوله: {وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا} أول أمره والمراد ناديناه وسط أمره وهو ليلة المناجاة، ولما بين تعالى أنه عليه السلام لم يكن في هذه الأحوال حاضرًا بين تعالى أنه بعثه وعرفه هذه الأحوال رحمة للعالمين ثم فسر تلك الرحمة بأن قال: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ} واختلفوا فيه فقال بعضهم لم يبعث إليهم نذير منهم: وقال بعضهم: حجة الأنبياء كانت قائمة عليهم ولكنه ما بعث إليهم من يجد تلك الحجة عليهم، وقال بعضهم لا يبعد وقوع الفترة في التكاليف فبعثه الله تعالى تقريرًا للتكاليف وإزالة لتلك الفترة.أما قوله: {وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ} الآية فقال صاحب الكشاف: لولا الأولى امتناعية وجوابها محذوف، والثانية تحضيضية، والفاء في قوله: {فَيَقُولُواْ} للعطف، وفي قوله للعطف.وفي قوله: {فَنَتَّبِعَ} جواب لولا لكونها في حكم الأمر من قبل أن الأمر باعث على الفعل، والباعث والمحضض من واد واحد، والمعنى لولا أنهم قائلون إذا عوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي: هلا أرسلت إلينا رسولًا، محتجين علينا بذلك لما أرسلنا إليهم، يعني إنما أرسلنا الرسول إزالة لهذا العذر وهو كقوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل} [النساء: 165] {أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ} [المائدة: 19] {لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءاياتك} واعلم أنه تعالى لم يقل ولولا أن يقولوا هذا العذر لما أرسلنا، بل قال: {وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ فَيَقُولُواْ} هذا العدو لما أرسلنا وإنما قال ذلك لنكتة وهي أنهم لو لم يعاقبوا مثلًا وقد عرفوا بطلان دينهم لما قالوا ذلك، بل إنما يقولون ذلك إذا نالهم العقاب فيدل ذلك على أنهم لم يذكروا هذا العذر تأسفًا على كفرهم، بل لأنهم ما أطاقوا وفيه تنبيه على استحكام كفرهم ورسوخه فيهم كقوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لعادوا لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [الأنعام: 28] وفي الآية مسائل:المسألة الأولى:احتج الجبائي على وجوب فعل اللطف قال لو لم يجب ذلك لم يكن لهم أن يقولوا: هلا أرسلت إلينا رسولًا فنتبع آياتك، إذ من الجائز أن لا يبعث إليهم وإن كانوا لا يختارون الإيمان إلا عنده على قول من خالف في وجوب اللطف كما مر أن الجائز إذا كان في المعلوم لو خلق له لم يمكن إلا أن يفعل ذلك.المسألة الثانية:احتج الكعبي به على أن الله تعالى يقبل حجة العباد وليس الأمر كما يقوله أهل السنة من أنه تعالى لا يقبل الحجة وظهر بهذا أنه ليس المراد من قوله: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23] ما يظنه أهل السنة، وإذا ثبت أنه يقبل الحجة وجب أن لا يكون فعل العبد بخلق الله تعالى وإلا لكان للكافر أعظم حجة على الله تعالى.المسألة الثالثة:قال القاضي: فيه إبطال القول بالجبر من جهات: إحداها: أن اتباعهم وإيمانهم موقوف على أن يخلق الله ذلك فيهم سواء أرسل الرسول إليهم أم لا وثانيتها: أنه إذا خلق القدرة على ذلك فيهم وجب سواء أرسل الرسول أم لا وثالثتها: إذا أراد ذلك وجب أرسل الرسول إليهم أم لا، فأي فائدة في قولهم هذا لو كانت أفعالهم خلقًا لله تعالى؟ فيقال للقاضي هب أنك نازعت في الخلق والإرادة ولكنك وافقت في العلم فإذا علم الكفر منهم فهل يجب أم لا، فإن لم يجب أمكن أن لا يوجد الكفر مع حصول العلم بالكفر وذلك جمع بين الضدين وإن وجب لزمك ما أوردته علينا، واعلم أن الكلام وإن كان قويًا حسنًا إلا أنه إذا توجه عليه النقض الذي لا محيص عنه، فكيف يرضى العاقل بأن يعول عليه؟. اهـ.
|